اليوم كان لي لقاء بأحد الأطر المغربية المرموقة والمثقفة بإيطاليا و التي إختارت الإنسحاب في صمت و العزوف عن ممارسة العمل الجمعوي بعد 21 سنة من خدمة المستضفين و السعي لمحو الصورة النمطية للمهاجر المغربي، حالها حال كثير من المثقفين المغاربة بإيطاليا حيث أضحى العزوف الجمعوي و السياسي من ضمن أبرز الاختلالات العميقة التي يتَّسم به المشهد المغربي بهذا البلد بشكل لافت سواء علي مستوى الانتماء لجمعيات المجتمع المدني و للأحزاب السياسية أو الاهتمام بالشأن السياسي و المشاركة في الحوار العام.
وبما أن المشاركة بالحياة الجمعوية و السياسية ارتبطت بأغنياء الجالية و من يعتبرون أنفسهم من ذوي 'الأصل النبيل'. فقد إختارت فئة عريضة من كفاءات المهجر العزوف و تجاهل الحياة الجمعوية، وهنا يجب أن نوضخ أن هناك نوعان من العزوف، الأول عزوف مقصود ا وأغلبه من الشباب أو في متوسط العمر، وهم أناس يهتمون بالسياسة بصفة عامة والانتخابات بصفة خاصة، إلا أنهم يعتبرون ما يسمي بـ 'المسلسل الديمقراطي' نوعا من الخداع, كما يحتقرون المؤسسات السياسية الحالية وكذا جمعيات المجتمع الحمعوي لأنها في رأيهم لا تمثل إرادة الشعب, خاصة الأحزاب السياسية 'الإصلاحية'. كما أن أغلب هؤلاء ليس لهم انتماء سياسي إلا أنهم يتعاطفون مع أفكار ومبادئ بعض الأحزاب و الجماعات، بما فيها تلك المحظورة، دون الانتماء إليها ويلاحظ أن سلوكهم السلبي هذا ليس انفعالا ولكنه نابع من وعي سياسي، إذ يمكن لهذه المجموعة أن تشارك في الحياة السياسية في حالة حدوث إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية جذرية.
أما الفئة التانية فتتسم بفقدانه الثقة في النخبة الحاكمة وفي مؤسسات الدولة من سفارة وقنصليات، بل وحتى تلك المنتخبة المنبثقة عن التجارب الانتخابية، التي كانت تجري تحت تدخل وكلاء المخزن، أو موظفي الدولة، مما أحدث وقعا سلبيا علي سلوك هذه الفئة من الجالية التي كان رد فعلها تجاه العملية السياسية هو اللامبالاة، وتوخي الحذر إزاء الخطابات بما فيها تلك التي تدين سلوك الدولة ورجال السياسة.
المطالبون بالمشاركة السياسية لأفراد الجالية المغربية ذاخل الوطن ينتظرهم عمل كبير وجبار لإقناع المواطنين المغاربة بإيطاليا للإهتمام بالشأن السياسي لأن المهاجر المغربي بعث برسالة واعية تفرض تفعيل المؤسسات التي تهتم به و إتاحة الفرص الدستورية أمامها لكسب ثقته, والمساهمة في تحصينه ضد مظاهر العنف والإرهاب أو الارتماء في أحضان الجماعات والشبكات المتطرفة.
محمد قنديل.